في زمن تعج فيه الرفوف بروايات الجريمة المعلّبة والمكرّرة، تأتي رواية الكاتب الكويتي عبدالله الدليمي «الغريب: كيف تكون قاتلاً بلا جريمة؟» كمحاولة لخرق النمط وتفكيك مفاهيم العدالة والقدر والصدمة من منظور وجودي غامض، حيث لا تكون الجريمة جريمة، ولا يكون القاتل قاتلًا، بل مجرد انعكاس لواقع لا يتحكّم فيه أحد.
تطرح الرواية منذ عنوانها سؤالاً يعلّق القارئ في الفراغ: كيف يمكن أن تكون قاتلًا من دون جريمة؟ سؤال يذكّرنا بالعبث الكاموي، لكن بلغة عربية أكثر بساطة، وأقل تنظيرًا، أقرب إلى القارئ العام، وإن ظلت تنطوي على تأملات نفسية وفلسفية عميقة.
مصير أكبر من الفعل
بطل الرواية ليس مجرمًا نمطيًا، بل ضحية لسلسلة من “النهايات الخفية” التي تفوق قدرته على الفهم أو التراجع. لا توجد نوايا واضحة، ولا دوافع خبيثة، بل وقائع تتشابك في سياق وجودي مأزوم، ليجد نفسه في لحظة فاصلة، لا أحد يعرف إن كانت الجريمة فيها قد ارتُكبت بالفعل… أم أنها حدثت فقط في ذهن الآخرين.
الرواية تُبقي القارئ في منطقة رمادية أخلاقية، تشكك في ما نعتبره يقينًا: هل يكفي أن لا تكون قاتلًا بنية لتُبرَّأ؟ وهل يكفي أن تكون الظروف ضدك لتُدان؟!
السرد كمرآة للذهول
أسلوب عبدالله الدليمي في السرد لا يعتمد على التزويق البلاغي، بل على الإيقاع الداخلي للحدث. يكتب بلغة متقشفة، توحي بالبرود، لكنها تُخفي غليانًا وجوديًا. يوجّه السرد نحو لحظات الذهول، حيث لا تَعرف الشخصية إن كانت شاهدة على مصيرها، أم شريكًا في صناعته.
ولعل أجمل ما في الرواية أنها لا تدّعي امتلاك إجابة. بل تُنهي حكايتها تاركة القارئ في حالة ارتياب، متسائلًا: من المذنب؟ أهو الإنسان، أم القدر، أم النظام الذي يُدين الناس بناءً على ما يُفترض أنهم يشعرون به؟
سؤال الأخلاق في زمن الغموض
الرواية ليست درسًا في القانون، بل مرآة لفكرة مقلقة: قد تدفع ثمن جريمة لم ترتكبها فقط لأنك لم تُظهر الحزن في وقته المناسب. وكأنك في عالم يحاسبك على شعورك، لا على فعلك.
في زمن تتداخل فيه الحقيقة بالتمثيل، والنية بالنتيجة، يأتي هذا العمل ليُذكّرنا أن العدالة ليست دائمًا عدالة، وأن المصير قد يُبنى على سوء فهم واحد.
في الختام…
«الغريب: كيف تكون قاتلًا بلا جريمة؟» عمل يثير تساؤلات أكثر مما يقدم إجابات. ورغم أن الرواية لم تحظَ بعد بقراءات نقدية كثيرة، فإنها تستحق مساحة في رف الأدب العربي الحديث، بوصفها رواية تسائل، لا تروّج. تُقلق، ولا تريح. وفي زمن الروايات المطمئنة، هذه فضيلة نادرة.